في الرابع من يوليو/تموز عام 1974م، الموافق 14 جمادى الآخرة عام 1394هـ،
توفي الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين، ورئيس الهيئة العربية العليا.
ولد محمد أمين الحسيني في القدس عام 1895م، وتعلم في مدارسها، ثم انتقل إلى مصر، ودرس في الأزهر وفي صيف عام 1915م، التحق بالكلية العسكرية في استانبول، وتخرج منها برتبة ضابط صف، لكنه بعد عودته إلى القدس، انضم للثورة العربية سراً.
بعد احتلال الإنجليز فلسطين عمل معلماً في كلية روضة المعارف الوطنية في القدس، ونادى بضرورة محاربة الإنجليز والصهاينة، وكوّن مع أصدقائه (النادي العربي)؛ أول منظمة سياسية عربية في فلسطين، وتولى محمد أمين الحسيني رئاسة النادي، وعنه انبثقت الجمعيات الإسلامية المسيحية، ونظمت المظاهرات، وعقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول.
اعتقل الإنجليز محمد أمين الحسيني خلال مظاهرات مدينة الخليل أمام لجنة (كنج كارين) الأمريكية، والمطالبة بالاستقلال ورفض نص تصريح بلفور، كما اعتقل مرة ثانية بعد أحداث ثورة مقام النبي موسى في نيسان / إبريل عام 1920م، لكن الشبان هاجموا الشرطة التي كانت تعتقله، وتمكن من الفرار،
وتوجّه إلى دمشق، وظل بها حتى تم تعيين هربرت صموئيل الصهيوني البريطاني، أول مندوب سام على فلسطين، فأعلن العفو العام عن جميع المعتقلين، ومن بنيهم الحاج أمين الحسيني الذي حكمت عليه المحكمة غيابياً بالسجن خمسة عشر عاماً، فعاد إلى القدس، وبدأ مرحلة جديدة من عمله الوطني.
بوفاة أخيه المفتي كامل الحسيني، تم انتخاب محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين؛ فأعاد تنظيم المحاكم الشرعية، واختار لها القضاة، ونظم دائرة الأوقاف وعيّن فيها عدداً من الموظفين، وأخذ يعمل على تقوية المدارس الإسلامية، كما أجرى اتصالات ومباحثات للمطالبة بإنشاء هيئة إسلامية تشرف على شؤون المسلمين ومصالحهم، وتكون مستقلة في أمورها الدينية، ووافقت حكومة الانتداب على ذلك، وأنشئ (المجلس الإسلامي الأعلى)، وحددت مهامه وصلاحياته، وأجرت انتخاباته عام 1922م، ففاز الحاج محمد أمين الحسيني برئاسته.
جاء المجلس الإسلامي الأعلى بعكس ما أراد الإنجليز، فأنشأ دار الأيتام الإسلامية الصناعية في القدس، وفتح عشرات المدارس في البلاد، واسترجع أراضي الأوقاف الإسلامية التي كانت حكومة الانتداب قد سيطرت عليها، وتولت إدارتها، وأنشأ المجلس عشرات المحاكم الشرعية، وعيّن مئات الوعاظ والمرشدين، كما أنشأ فرق الجوالة والكشافة الإسلامية، والجمعيات الخيرية، والنوادي الأدبية والرياضية، كما قام المجلس بإصلاح المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة بأموال الوقف وتبرعات العرب والمسلمين من أنحاء العالم.
وفي عام 1931م، دعا الحاج محمد أمين الحسيني لعقد مؤتمر عام في القدس للدفاع عن قضية فلسطين، فلبى العرب والمسلمون دعوته، وعقد المؤتمر في المسجد الأقصى، وانتخب الحسيني رئيساً للمؤتمر، كما عقدت مؤتمرات أخرى في مكة المكرمة وكراتشي وبغداد وعمان والصومال وغيرها برئاسته.
في عام 1933، زار الحسيني عدة عواصم عربية وإسلامية، وطالب بإنشاء جامعة إسلامية في القدس تحمل اسم (جامعة الأقصى) للوقوف في وجه الجامعة العربية التي افتتحها الصهاينة في القدس لكن بريطانيا ضغطت على الدول العربية بمنع وصول التبرعات لذلك المشروع وقد نجحت في مسعاها وأجهضت المشروع.
حارب الحاج محمد أمين الحسيني بيع الأراضي للصهاينة أو السمسرة وأعلن أن الباعة والسماسرة خارجون عن الدين، يمنع دفنهم في مقابر المسلمين وعقد مؤتمراً خاصاً بذلك في المسجد الأقصى، كما كون جمعيات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لإصلاح ذات البين بين المسلمين ودعا إلى تشجيع الاقتصاد الوطني ومقاومة الصهاينة اقتصادياً واشترى بأموال الوقف مساحات من الأراضي التي كانت مهددة بالتسرب للصهاينة، وجعلها وقفاً إسلامياً.
بعد بدء إضراب عام 1936م ، أنشئت اللجنة العربية العليا، برئاسته، لتدير الإضراب وبسبب فعاليات الحسيني في إدارة اللجنة تمت ملاحقته فاحتمى بالمسجد الأقصى عامين، ثم هرب إلى لبنان وأقام فيها عامين حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939م، فانتقل سراً إلى العراق فأعاد تنظيم جيش الجهاد المقدس الفلسطيني ثم انتقل إلى طهران قليلاً ومنها انتقل إلى تركيا، ثم بلغاريا ثم إيطاليا ثم وصل إلى ألمانيا وأنشأ مكتباً للحركة العربية في برلين، وبعد هزيمة ألمانيا اعتقله الفرنسيون فتدخل ملك مصر وسلطان المغرب وعدد من زعماء سوريا ولبنان وأفرج عنه.
تزعم الحاج الحسيني الهيئة العربية العليا لفلسطين منذ إنشائها عام 1946م، وبعد كارثة فلسطين ترأس مؤتمر غزة، لكن السلطات المصرية اعتقلته، ونقلته إلى مصر ووضعته تحت الإقامة الجبرية وفي عام 1959م، انتقل إلى سوريا، ومنها إلى لبنان وظل فيها حتى توفاه الله في 4/7/1974م.
رحم الله الحاج محمد أمين الحسيني، ويا ليت (حماة الوطن) اليوم والمشككون بالحاج أمين يعملون عشر ما عمله الحاج لفلسطين.